- Classes
- Certificates
- My Account
- Donate
- Search
Search
السير معاً 11
الدرس الحادي عشر ■ السير معاً
أ. عائلتنا الجديدة
عندما صرنا مؤمنين دخلْنا كل واحدٍ على حدة عبر بوابة السماء، أي أنّه لا توجد خطةٌ عائليّة، أليس كذلك؟ لا يذهب أحدٌ إلى السماء بفضل أمّه أو أبيه أو أعمامه أو أخواله أو عمّاته أو خالاته، وإنما ندخل كلٌّ على حدة. ولكن على الجانب الآخر من تلك البوابة توجد عائلتنا الجديدة، وهي العائلة التي يمكننا أنْ نسير معها فيما نمضي رحلة الحياة، ولنا فيها أبٌ جديد وإخوة جدد. من المثير للاهتمام أنّ كلمة "إخوة" هي التعبير الأكثر شيوعاً التي يشير به العهد الجديد إلى المؤمنين والمؤمنات. نحن إخوةٌ أي عائلة غير منقسمةٍ بسبب الجنس أو العِرق أو الطبقة. نحن عائلةٌ نرتبط فيها معاً بمحبّتنا للآب، ومن خلال هذه المحبّة للآب تتدفّق محبّتُنا الواحد للآخر. وهذه الوحدة المتحّابة تميّز عائلةَ الله التي تعلن يسوع للعالم.
يصلّي يسوع لله من أجل الكنيسة في إنجيل يوحنّا 17، ويقول في الآية 21، "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا". ما مدى أهميّة ذلك؟ "لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ". ثم يؤكّد يسوع على كلامه في الآية 23 قائلاً، "أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي". هذا هو سلوك جماعة المؤمنين الكتابيّين. فيما نرتبط معاً في محبّتنا، سوف يرانا الناس ويقولون، "انظروا كمّ يحبّون الله!" عندما يرانا الناس، سوف يرون محبّة الآب فينا، وسيرون أنّ الله أرسل ابنه إلى العالم حقاً، وأنّ هذا كله متضمن في حقيقة كوننا عائلة الله. يتعيّن علينا أنْ نكون جماعة كتابيّة أصيلة.
ب. تحدّي الجماعة الكتابيّة الأصيلة
نظراً للأهمية القصوى التي تتمتّع بها هذه الجماعة الكتابيّة الأصيلة، ينبغي ألّا يتفاجأ أيٌ منّا إزاء التحدّيات الهائلة التي تكمن في تأسيسها. إذا كانت على هذا القدر من الأهمية بالفعل، وإذا كانت هذه هي طريقة الله في إظهار محبّته واجتذاب الناس له، فسوف نتوقّع بالتأكيد حدوث تحدّياتٍ كبيرة في الجماعة. الثقافة الأميركيّة ثقافةٌ فرديّة وانعزاليّة (هذه ظاهرةٌ أميركيّة، وربما تكون أوروبيّة جزئيّاً، ولكنها تنطبق علينا في المقام الأول)، وليست ثقافة مجتمعيّة. طالما كشفت استطلاعات غالوب أنّ الأميركيّين هم من أكثر شعوب العالم إحساساً بالوحدة. لدينا ألعابٌ أكثر من أي شخصٍ آخر، ولكن ليس لدينا من نلعب معهم. إنّ ثقافة التشرذم والعزلة هذه لهي ثقافة انعزاليّة.
1. دوائر العلاقات
يتحدّث المؤلف راندي فراتزي Randy Frazee في كتابه الكنيسة المتّصلة The Connecting Church، الذي أنصَحُكم حقاً بقراءته، عن حقيقة ما لدينا من دوائر عديدة للعلاقات المنقطعة:
دائرة العلاقات التي نُسمّيها الكنيسة.
دائرة العلاقات التي نُسمّيها العمل.
دائرة العلاقات التي نُسمّيها العائلة.
لدينا أيضاً دوائر العلاقات المتعلّقة بأطفالنا: فرق كرة القدم، وفرق كرة السلة، وأمور الحيّ الذي نسكن فيه، وفتيات الكشافة. تطول القائمة، فلدينا العديد من دوائر العلاقات، وأكثرها منقطعة. وبالتالي لن نجد على الإطلاق أكثر شيءٍ نتوق إليه، أي العلاقات الأصيلة والعميقة التي تستند على خلاص يسوع المسيح، لأنّنا مشغولون للغاية في حياةٍ منقطعة مجزأةٍ بلا حدودٍ، فالثقافة الأميركيّة ثقافةٌ انعزاليّة، وليست ثقافةً مجتمعيّة.
2. الثقافة المتغيّرة
يوثّق راندي فراتزي في كتابه ما حدث في أميركا من تغيّرات ثقافيّة على مدار القرن الماضي. استمتعت بقراءة هذا الكتاب إذ أدركت أنّ هناك تحوّلاً، أي تغييراً، حدث عن أيام طفولتي. يتحدّث الكاتب، كما يتحدّث العديد من علماء الاجتماع، عن تحوّل أميركا الريفيّة إلى مراكزَ حضريّةٍ ضخمة مسلوبة الشخصيّة في هذا البلد. يقول إنّنا تعوّدنا على الجلوس على الشرفة، والتحدّث إلى الناس عندما يأتون، أمّا الآن فنجلس داخل بيوتنا المكيّفة الهواء، أو ربما نخرج إلى الفناء الخلفيّ الذي نتمتّع فيه بالخصوصيّة. كنّا نمشي إلى متاجر الحيّ، أمّا الآن فنتوّجه بسيّاراتنا إلى المتاجر الضخمة. يمكننا الآن اللجوء إلى ماكينة البيع الآليّ لتجنّب التحدّث مع أمين الصندوق. كنّا نتمشّى حول المباني السكنيّة، أمّا الآن فلدينا جهاز كهربائيّ للمشي في القبو وغرف النوم حتى نتمكّن من مشاهدة الأخبار بينما نحن نمشي. تعوّدنا على الذهاب إلى مكتب البريد، ولكننا نشكو من وجود الطابور رغم سرعة العمل. صارت لدينا الآن أجهزة تلفزيون يمكننا الانشغال بها عن التحدّث إلى أي شخصٍ في أثناء وقوفنا في الطابور. نحن على وشك عدم الاضطرار نهائيّاً لمغادرة المنزل، إذ يمكننا التسوّق على شبكة الإنترنت بدون أنْ ندفع حتّى ضريبة المبيعات.
يتحدّث راندي فراتزي في كتابه عن أستاذٍ في جامعة هارفارد اسمه روبرت بوتنام Robert Putnam أجرى بحثاً يكشف أنّ الأميركيّين كانوا يستضيفون الأصدقاء في منازلهم في أواخر تسعينيات القرن العشرين بنسبةٍ تقلّ 45 في المئة عن الفترة بين منتصف السبعينيّات وأواخرها. كما كشف الحقيقة الصادمة بأنّ نسبة قضاء الأميركيّين "أمسية اجتماعيّة مع شخصٍ يعيش في الجوار" انخفضت إلى حوالي الثلث ما بين عامي 1974 و1998. أصبح المنزل مكاناً للحبس الانفراديّ. ومع ذلك، قاربت هذه الخاصية حتّى على الانتهاء لأنّ المنزل صار من وجهة نظر كثيرين مجرّد مأوى يأكل فيه الناس أحياناً، ومجرّد مكانٍ للنوم غالباً. منذ مدة، وُجِّهَ التماسٌ من العائلات الأميركيّة لكي تأخذ دور" العائلات". وهو من أعظم الأشياء التي يمكننا أن نفعلها، فبمقدورنا الاستمتاع بتناول وجبةٍ واحدة معاً في الأسبوع على الأقل. نحن نعيش في ظلّ ثقافةٍ فرديّة ومجزأة وانعزاليّة، والمشكلة هي أنّنا خُلقنا لخدمة المجتمع. عندما خلق الله آدم، تطلّع فيه وقال، "لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ ... وَحْدَهُ"، فنحن لم نُخلَق للعزلة. وما ينطبق على العلاقات الحميمة ينطبق أيضاً على الوحدات الاجتماعيّة الأكبر، أي العائلة الاجتماعيّة وعائلة الله، ولذلك أسّس الله الكنيسة لتلبية تلك الحاجة العميقة للمجتمع، والتي توجد في داخل كلِّ واحدٍ منّا.
ج. نموذج الكنيسة المبكرة: كلُّ شيءٍ يدور حول الله
عندما ننظر إلى نموذج الكنيسة المبكرة في سفر أعمال الرسل 2، يمكننا بالتأكيد أنْ نرى بالضبط كيف أرادنا الله أنْ نكون. يصف سفر أعمال الرسل 42:2-47 الكنيسة المبكرة قائلاً، "وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ. وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ".
1. مركز حياتنا
عندما ننظر إلى نموذج الكنيسة المبكرة، نبدأ في التعرّف على المجتمع الذي يريده الله، أي المجتمع الذي يبدأ أولاً وقبل كل شيءٍ بالله، أليس كذلك؟ يوجد الله في المركز المطلق، وكل شيءٍ يدور حول الله. كان الله أساس كل ما يعملونه: كانوا يواظبون على الصلوات، ويسبّحون الله، ويواظبون على الكرازة، وكان الناس يخلصون يوماً بعد يومٍ، ويواظبون على العبادة ويحضرون الهيكل معاً. كان الله هو المركز المطلق، ومحور الكنيسة المبكرة المطلق، أي أساس كل ما يعملونه. إذا لم يكن الله أساس هذه العائلة، فلسنا أكثر من أصدقاءٍ ومعارف. لولا الله لما كان هناك أي شيءٍ آخر، ولكنّنا مجرّد نادٍ اجتماعيّ ومركز مجتمعيّ، إلّا أنّ الله أبونا ولهذا يمكننا حقاً أنْ نكون إخوة لا يفرّقنا الجنس أو العِرق أو الطبقة. يدور كل شيءٍ حول الله، وهو في المركز المطلق.
فيما نقرأ قصة الكنيسة المبكرة، سرعان ما ندرك أنّه إذا كان الله هو المركز حقاً، سواء على المستويين الفرديّ أم الجماعيّ، فسوف تظهر هذه الحقيقة وتتدّفق في اتجاهاتٍ مختلفة. لا يمكن أنْ تكتفوا بمحبة الله دون أنْ تعملوا شيئاً إزاء هذه المحبة، أليس كذلك؟ عندما سُئِلَ يسوع، "أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟"، أجاب قائلاً، "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (متّى 36:22-39). كم أحبّ جوابه هذا، ولكنّني لا أفضّل تلك الترجمة، فهذا معناه في الواقع أنّه يتوّجب أنْ تحبّوا "الشخص الآخر" مثل نفسكم. لا يمكننا أنْ نحبّ الله أو أنْ يكون هو مركزَ حياتنا ما لم تتدفّق هذه المحبة إلى جوانب أُخرى من حياتنا. هذا مستحيلٌ تماماً، فيسوع يوضّح هذه المسألة. هناك على الأقل ثلاثة اتجاهاتٍ مختلفة تتدفّق منها علاقتنا مع الله ومحبتنا له.
2. النمو إلى مرحلة النضج الروحيّ
تتدفّق محبتنا لله عبر مرحلة النضج الروحيّ على المستويين الفرديّ والجماعيّ. عندما نحبّ الله، سوف نتعلّم المزيد عن طبيعته. يتوجّب علينا أنْ نعرف طبيعة يسوع كي نصبح مشابهين له، ومن ثمّ نتعلّم وننمو. ولهذا السبب كرسّت الكنيسة المبكرة نفسها لتعليم الرسل، فهذا هو مجال التلمذة والنموّ.
يستعرض بولس في الفصل الأول من رسالة كولوسي خدمته لكنيسة كولوسي. يقول إنّ هدفه لحياتهم هو نموّهم ونضجهم. يقول بولس في كولوسي 28:1، "الَّذِي [المسيح] نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ". النضج في المسيح هو الهدف. ثم يضيف بولس، "الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا (لاحظوا الضمائر المستخدمة) مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ". هذه واحدةٌ من الطرق التي تتدفّق بها مركزيّة المسيح في حياتنا وفي هذه الكنيسة. ينبغي أنْ ننمو في معرفتنا، ومن ثمّ نتحوّل بواسطة تلك المعرفة. وبالتالي، نحن ملتزمون بالوعظ حسب الكتاب المقدّس. لن يكون هناك أي نوعٍ آخر من الوعظ من على هذا المنبر، وهذا هو التزامنا.
يدعونا النمو إلى مرحلة النضج الروحيّ أنْ ندرس في هذا العام اللاهوت النظاميّ في صفوف مدارس الأحد للبالغين حتى نتعلّم ونقبل التحدّي. ولهذا نعقد دوراتِ معهدِ التدريب الكتابيّ في أمسيات الأربعاء لتتمكّنوا من تلقّي المعرفة، والإلمام برسالة الكتاب المقدّس. ولهذا السبب، من بين العديد من جهودنا الإرساليّة، ندعم الموقع الإلكترونيّ biblicaltraining.org، وهو مدرسةٌ على شبكة الإنترنت تقدّم تعليماً دينيّاً للعالم. هذه كلها طرقٌ مختلفة نأخذ فيها على محمل الجدّ حقيقة كون الله محورَ حياتنا، وهذا ما يجعلنا نرغب في النموّ إلى مرحلة النضج في التدرّب وتدريب الآخرين.
3. التكريس للشركة
تظهر مركزيّة المسيح أيضاً بطريقةٍ ثانية في مجال الشركة. والكنيسة التي أشار لها الفصل الثاني من سفر أعمال الرسل كرّست نفسها للشركة. لم يلجأ المؤمنون لسياسة اختيار الأفضل، أليس كذلك؟ كانوا يواظبون على الشركة، وكانوا يكسرون الخبز يوماً بعد يومٍ في منازلهم. فيما نقرأ هذا المقطع، أعتقد أنّه من الإنصاف القول إنّ الكنيسة كانت مركز حياتهم الاجتماعيّ. كانت دائرة العلاقات في تلك الكنيسة هي المجموعة المركزيّة للعلاقات في حياتهم.
أ. "وعاء الطهي البطيء على الطريقة المسيحيّة"
طالما شجّعتكم بفكرة وعاء الطبخ البطيء على الطريقة المسيحيّة. تتلخّص الفكرة في أنْ تستيقظوا صباح الأحد، وتضعوا قطعة أكبر من اللحم في وعاء الطهي البطيء، ثمّ أضيفوا حبتين من البطاطا، وجزرتين، وعلبتين من الحساء إلى ما كنتم ستطهونه. ساعدتني هذه الفكرة لأكمل دراستي في المعهد الدينيّ! ليس من الصعب عمل ذلك. أديروا مؤشر الوعاء إلى الحرارة المتوسطة عند المغادرة. يمكن لكلٍ منكم أنْ يذهب إلى الكنيسة، ويبحث عن شخصٍ لا يعرفه ويقول له، "هيّا نتعارف يا أخي، فمن غير الطبيعيّ ألا أعرفك". كيف تّسمّون عائلةً لا يعرف فيها الأشقاء بعضهم بعضاً؟ إنّني أسمّيها عائلةٌ مختلّة.
تنطبق هذه المسألة أيضاً على عائلة الله. علينا أنْ نتكرّس للشركة، ولهذا صنع الله أوعية الطهي البطيء! (ليس تماماً!) اسمحوا لي أنْ أشجعكم على شراء وعاءٍ كبير للطهي البطيء واستخدامه. عندما كنت في كليّة الدراسات العليا في إسكتلندا، كانت واحدةٌ من أكثر العائلات نفوذاً تبحث في كل يومٍ من أيام الأحد عن شخصٍ لا يذهب إلى الكنيسة، ثم تدعوه لحضور الكنيسة. (كانوا دائماً يدعوننا نحن الطلّاب أيضاً للحضور، ويجلبوننا أيضاً لأنّهم يشفقون علينا! كانت وجوهنا تكشف عن حزنٍ عميق). كانت خدمة هذه العائلة تهدف لاستضافة الناس والترحيب بهم بالقول، "مرحباً بكم في عائلتنا". كنّا نتناول وجبة يوم الأحد في كثيرٍ من الأحيان.
ب. الدائرة الاجتماعيّة الأساسيّة
اسمحوا لي أنْ أشجّعكم على أنْ تجعلوا عائلة الله أهمَّ دائرةٍ اجتماعيّة في حياتكم. واسمحوا لي أنْ أشجّعكم على أنْ تجعلوا عائلة الله أهمّ إطارٍ اجتماعيّ للعلاقات. فإذا كانت لدينا العديد من دوائر العلاقات المنقطعة، وكانت حياتنا منقسمة؛ فلن نقضي أبداً على مشكلة الانعزاليّة في حياتنا، ولن نشعر مطلقاً بالتواصل لأنّنا متشرذمون في كل مكانٍ.
يشجّع راندي فراتزي في كتابه على تضييق نطاق دوائرنا عملياً. من الممكن أنْ يكون لدينا أصدقاء خارج الكنيسة (أتمنى أنْ يكون لنا جميعاً أصدقاء غير مسيحيّين خارج الكنيسة)، ولكن يجب أنْ تكون الكنيسة هي الدائرة الاجتماعيّة الأساسيّة لحياتنا. أحبّ أنْ أرى اليوم الذي تمتلئ فيه هذه الكنيسة بأكملها في كل ساعةٍ. أحبّ أنْ أرى الأمهات الشابات اللواتي يعانين من صعوبات التعامل مع الأطفال يتّصلن بامراةٍ شابة أخرى تعاني من الصعوبات نفسها ويقلن، "هيّا نجتمع في الكنيسة لتناول القهوة". لدينا القهوة دائماً في هذه الكنيسة! عندما تكنّ هنا، اسمحن لأطفالكن بالمرح، ويمكنكنّ تنظيف المكان بعد انتهائهم من اللعب. تناولن القهوة معاً، وتحدّثن معاً، وتبادلن خبرات حياتكنّ معاً، وشجّعن بعضكنّ بعضاً. أتطلّع إلى اليوم الذي يأتي فيه ابني إلى المنزل ويقول، "يا أبي، دعنا نلعب كرة السلة (التي يحبّها لأنه يغلبني دائماً الآن). بدلاً من الذهاب إلى بعض المجمّعات، يمكننا أنْ نقول، "مهلاً، لنذهب إلى الكنيسة للعب، ولندْعُ شخصاً للمجيء مع ابنه أيضاً. سوف نعدّ طارة (طوق) السلة في صالة الألعاب الرياضيّة، ونلعب معاً".
أحبّ أنْ أرى اليوم الذي يقول فيه واحدٌ ممن أحيلوا إلى التقاعد بعد التدريس طوال حياتهم، أي ممن لديهم الآن وقتٌ لخدمة عائلة الله، "لقد درَّسْتُ الرياضيات والعلوم لمدة 40 عاماً، وسوف أكون في المكتبة من الساعة الثانية إلى الرابعة. إذا كان أطفالكم يعانون من صعوباتٍ في الفهم، فأحضروهم إلى هنا. أحبّ أنْ أتبادل خبرتي العمليّة مع إخوتي الصغار". التقاعد معناه أنّ لديكم الآن وقتٌ لخدمة عائلة الله. يمكنني أنْ أرى ذلك اليوم التي ستحدث فيه هذه الأمور، ولكنه لن يأتي ما لم نصبح مكرّسين للشركة، أي ما لم نجعلْ جسد الكنيسة محورَ علاقاتنا.
ج. النعمة
الجماعة الكتابيّة الأصيلة أبعد بكثيرٍ من مجرد أوقات المرح والمشاركة، رغم أهمية هذه الأوقات. إذا أردنا التكريس للشركة، فينبغي أن تكون الكنيسة ملاذاً للنعمة. كنت أقرأ الكتاب المدهش لفيليب يانسي Philip Yancey "روعة النعمة What’s so Amazing About Grace?"، الذي أودّ أنْ أشجّعكم على قراءته. يحاول فيليب يانسي عبر الصفحات تعريف كيفية معاملة الله لنا بالنعمة. يقول إنّ نعمة الله معناها أنّ المرء لا يمكنه عمل أي شيءٍ من شأنه أنْ يجعل الله يحبّه أكثر، والنعمة معناها أنّ المرء لا يمكنه عمل أي شيءٍ من شأنه أنْ يجعل الله يحبّه أقلّ. فالله لا يحبّني بسبب من أنا، ولكنّه يحبّني بكلِّ بساطة، فهو إله النعمة. ليتنا نقبل هذه النعمة ونشاركها!
ترد في الكتاب المقدّس جميع حالات "بعضكم بعضاً" في هذا السياق. يقول الكتاب المقدّس: علينا أنْ نعيش في وئامٍ بعضنا مع بعض. علينا ألّا ندين بعضنا بعضاً.
علينا ألّا نفتري بعضنا على بعض.
علينا أنْ نشجّع بعضنا بعضاً.
علينا أنْ نضيف بعضنا بعضاً.
علينا أنْ نحمل بعضنا أثقال بعض. يقول بولس في رسالة أفسس 32:4، "وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ". من المستحيل أنْ نطيع الله ونحن منعزلون، أليس كذلك؟ من المستحيل تماماً أنْ تكونوا مؤمنين مطيعين وتعيشوا في عزلةٍ. إذا عشنا لأنفسنا، فكيف يمكن أنْ نحمل أثقال بعضنا بعضاً؟ إذا رفضنا حضور الخدمات الكنسيّة، فكيف يمكن أنْ نُظهِر التعاطف بعضنا تجاه بعض؟ هذا مستحيلٌ. التكريس للشركة معناه أنْ يكون الله في مركز حياتنا، وليس نحن، أو وظائفنا، أو غِنانا (الذي هو لله حقاً)، أو شهرتنا، أو ثروتنا، بل الله. إذا كان الله في مركز حياتنا حقاً، فسوف ننطلق ونتكرّس للشركة مثل الكنيسة الأولى.
4. الخدمة
يستعرض سفر الأعمال طريقةً ثالثة نرى فيها أنّ مركزيّة المسيح تظهر في حياة المؤمنين. ينطبق هذا على مجال الخدمة بأكمله. إذا كان الله مركزيّاً في حياتنا وفي عائلة الله، فسوف يظهر هذا في الخدمة والكرازة.
أ. داخل إطار الجسد
سوف تُظهِر مركزيّةُ الله نفسَها، أولاً وقبل كل شيءٍ، في خدمة الجسد. يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين في 24:10، "وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ". هذه وسيلةٌ رائعة للتعبير عن هذا، أليس كذلك؟ دعونا نجلس ونفكر في كيفية تشجيع وتحفيز بعضنا بعضاً، ومحبة بعضنا بعضاً، والأعمال الحسنة. ليتنا نتروّى في دراسة هذه المسألة ونتمعّن في الأمر. "غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا". ولهذا السبب يقول بولس مراراً وتكراراً إنّ جميع المواهب معطاة للكنيسة: أي مواهب الخدمة، والوعظ، والتعليم، وإبداء الرحمة، والعطاء، والإيمان.
أعطيت هذه المواهب جميعاً لبنيان الجسد وللمصلحة العامة، وقد وهبنا الله إياها حتّى نتمكّن معاً من خدمة بعضنا بعضاً، أي خدمة جسد المسيح. يتضمّن هذا مواردَنا المالية، التي كانت بالتأكيد إحدى السمات البارزة للكنيسة الأولى. كان الله مركزيّاً في حياتهم حتّى إنّهم باعوا كل شيءٍ وشاركوه مع الشعب رغم عدم وجود وصيّة تدعوهم لذلك. أعلم أنّ هناك من يقول غالباً، "مهلاً، ولكن هذه الموقف لا يدعوني لبيع كل شيءٍ". هذا صحيحٌ، ولكن هناك العديد من المقاطع الأخرى التي ربما تدعونا للتفكير فيه.
يكتب يوحنّا، على سبيل المثال، في رسالته الأولى 16:3، "بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ (يسوع) ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ". ما معنى هذا الكلام من الناحية العمليّة؟ "وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟" (1 يوحنّا 17:3). والجواب هو "لا يمكن!" إذا كنّا نحبّ الله، فعلينا بالضرورة أنْ نحبّ إخوتنا. "يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!" (1 يوحنّا 18:3). أي أنّ الكلام ليست له قيمة بمفرده.
ب. خارج إطار الجسد
إذا كان الله مركزيّاً في حياتنا على المستويين الفرديّ والجماعيّ، فسوف يظهر هذا في الخدمة داخل إطار الجسد وخارجه. هذا ما تدور حوله الإرساليّات والكرازة. فيما تغمرنا محبّة الله وتوحّدنا، وفيما تنمو محبّتنا له وتنتشر فنحبّ بعضنا بعضاً، سوف ينظر إلينا الناس ويقولون، "مهلاً، إنّهم مختلفون. انظروا كيف يحبّون يسوع! لا بدّ أنْ تكون رسالة الصليب هذه رسالةٌ حقيقيّة". هذا هو الهدف الذي يضعه يسوع في إنجيل يوحنّا 17، وهو ينبع من الجماعة. نُظهِر للعالم حلاوة المسيح بينما نعيش في الجماعة. سوف يستجيب الناس لنا كما حدث في الفصل الثاني من سفر أعمال الرسل. ستكون لنا نعمةٌ لدى جميع الشعب، وسوف يخلُصُ الناس وينضمّون لنا.
د. عملٌ شاق
العيش كجماعة مؤمنين عملٌ شاق، أليس كذلك؟ إذا كنتم تتأمّلون فيما أقوله، فسوف تدركون أنّ هذه المهمة ليست بسيطة أو سهلة أو تلقائيّة، ولكنها جذريّة ومناهضة للثقافة مثل يسوع ومثل الكنيسة الأولى. يقول بولس، "الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا". تشير كلمة التعب تحديداً إلى العمل اليدويّ الذي يتضمّن حفر خندق: هذه هي الكلمة المستخدمة. "الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ" (كولوسي 29:1). العيش كجماعة مؤمنين عملٌ شاق.
1. تبدأ بهدفٍ مشترك
تبدأ الجماعة بهدفٍ مشترك، فهذه هي بداية الأمر. هذه الكنيسة ليست مركزاً مجتمعيّاً ولا نادياً اجتماعيّاً. وهي ليست المكان المناسب للترفيه عن حساسيّاتكم الروحيّة. هذه هي عائلة الله المؤسسة لغرضٍ مركزيّ واحد، وهو تمجيد الله في كل ما نقوله ونفعله وفي كل ما لا نقوله وكل ما لا نفعله.
أحبّ التوضيح الذي كتبه أ. و. توزر، "كيف يمكنكم دوزنة مئة بيانو بحيث تعزف جميعها معاً؟ إنّكم لا تدوزنون أحدها مع الآخر، ولكن بحسب الدوزان نفسه". فيما تتركّز حياتنا على دوزان واحد، وهو الله، سوف يسود هذا المقياس حياتنا بحيث لا نقول أو نعمل إلّا ما يدفع بملكوت الله إلى الأمام، حتى في أكلنا وشربنا كما يقول بولس لأهل كورنثوس. افعلوا كلّ شيء لمجد الله. هذا هو هدفنا المشترك. وهذا هو الرابط الذي يربطنا معاً، وليس حقيقة كوننا نجتمع في المبنى نفسه. طالما كان الله في المركز، وكان التزامنا لله مركزيّاً في حياتنا، فلا بدّ أنْ يظهر هذا في ما لا يقلّ عن ثلاثة جوانب مختلفة: التلمذة، والشركة، والخدمة.
2. بسّطوا حياتكم
اسمحوا لي أنْ أشجّعكم على تبسيط حياتكم، رغم أنّني أجاهد من أجل تبسيط حياتي. لطالما تواجهت مع مسألة تبسيط حياتي. أودّ أنْ أعود حقاً فأشجعكم جميعاً على قراءة كتاب راندي فراتزي، الكنيسة المتّصلة The Connecting Church، لأنّه كتابٌ على مستوىً عالٍ من التبكيت بالطريقة نفسها. اسمحوا لي أيضاً أنْ أشجّعكم على أنْ تجعلوا إخوتنا هؤلاء أهمّ مجموعةٍ من العلاقات في حياتنا. هل سبق وعاش أي شخصٍ هنا في عائلةٍ طبيعيّة لم ينشب فيها أيّ صراعٍ؟ لا أعتقد ذلك. ماذا نفعل عندما يأتي الصراع؟ هل نهرب ونختبئ؟ أشجّع كل واحدٍ منّا على مواجهة الصراع، وعدم الاستسلام له، بل النموّ من خلاله، وعدم الهرب منه. نحن بحاجةٍ إلى أنْ نكون لطفاء بعضنا نحو بعض، وشفوقين بعضنا نحو بعض، ومسامحين بعضنا بعضاً. يجب علينا أنْ نسامح الآخرين مثلما سامحنا الله في المسيح.
3. صيروا "ملاذاً للنعمة"
إذا فعلنا ذلك، فسوف نصير بطريقة الله وبتوقيت الله ملاذاً للنعمة، وهو مكان العلاقات الأصيلة الصريحة والصادقة الذي تسقط فيه الأقنعة، وننال نعمةَ الله مجاناً، وتكون لنا نعمةٌ بعضنا من بعض. وفي المقابل، نلتفت ونردّ هذه البركات، حيث نحتمل أثقال بعضنا بعضاً. ونشجّع بعضنا بعضاً في القداسة. سوف يختفي الشعور بالوحدة في هذا المكان، ولكنّنا سوف نشعر بالانتماء المترسّخ في كل واحدٍ فينا.
ومع ذلك، فالأهمّ هو أنّنا سنكون كنيسة يأتيها الناس وينظرون إلينا ويقولون، "كم يحبّون يسوع! لا بدّ أنْ يكون يسوع مثلما قال عن نفسه إنه هو. لا بدّ أنْ يكون لديه حلّ المشكلات في حياتنا. لا بدّ أنْ يكون الحلّ لمشكلة خطاياي". وهكذا ننظر إلى الحياة بطريقة جذريّة ومناهضة للثقافة، ولا سيما حين ينظر الأميركيّون في الفصل الثاني من سفر أعمال الرسل، ويقولون: "دعونا نكون هذا النوع من الكنيسة". هذه مسألة جذريّة ومناهضة للثقافة مثلما كان يسوع جذريّاً ومناهضاً للثقافة.