- Classes
- Certificates
- My Account
- Donate
- Search
Search
التغيّر 02
الدرس الثاني ■ سوف تتغيّر الأمور
أ. المتغيّرون
تحدثتُ في المرة السابقة عن حقيقة تغيّر الأمور بعد التحوّل. كما تحدّثتُ عن حقيقة كوننا نولد من جديدٍ في حياةٍ جديدة عند تحوّلنا. أودّ أن أؤكد في هذا الصباح على حقيقة كون هذه الحياة الجديدة للمؤمن الجديد حياةً مختلفة عن حياته قبل التحوّل، وينبغي أن تكون كذلك. وأريد أن أؤكد على أننا تغيّرنا، والأشخاص المتغيّرون يتصرّفون بطريقةٍ متغيّرة.
1. الانفصال عن الله
أرجو ألا يصدم كلامي أي إنسانٍ. لنعد بذاكرتنا للحظاتٍ متفكراً في تحوّلنا، دعونا نتذكّرْ ما حدث. فهمنا بالتأكيد أننا انفصلنا عن الله. وأدركنا أننا كنّا خطاة. وعرفنا أن موت يسوع على الصليب سدّد عقوبة الخطية حتى ننال الغفران. فهمنا بالتأكيد أننا لم نكن نحيا في علاقةٍ مع الله، ولكن صرنا بعد التحوّل نحيا في علاقةٍ مع الله، وهو الآن أبونا ونحن أولاده. إذا اكتفينا بالتأمل في هذه الحقائق، سيكون لسان حال كلٍ منا "ستكون حياتي الجديدة كمؤمن مختلفة بالطبع. ينبغي أن تكون متغيّرة لأنني إنسانٌ متغيّر".
2. التوبة
فهمنا بالتأكيد أنه في أثناء التحوّل دُعينا للتوبة؛ والتوبة هي واحدة من العديد من الطرق التي يصف الكتاب المقدس التحوّل بها. يتحدّث بطرس إلى الشعب في سفر أعمال الرسل 19:3 قائلاً "فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ". إذا تأمّلنا في معنى التوبة، فسوف ندرك أنها تعني تغيير تفكيرنا حول من هو يسوع وماذا فعل. غيّرنا طريقة تفكيرنا عن يسوع من كونه أنّ مجرّد شخصية تاريخية إلى الإيمان بأنه هو الله، وهذه هي التوبة.
من ناحيةٍ أخرى، ليست التوبة أنّ مجرّد تغيير عقولنا، وإنما هي الالتزام بتغيير حياتنا وأعمالنا. التوبة هي الالتزام بالرجوع عن الخطية، والتوجّه إلى الله، والعيش بحياةٍ جديدة. أعتقد أنّ واحداً من أوضح الأوصاف للتوبة يرد في رسالة تسالونيكي الأولى. ربما كان بولس قد بشّر في تسالونيكي قبل أربعة إلى خمسة شهورٍ. كانت الكنيسة جديدةٌ تماماً، وقد اضطرّ للمغادرة سريعاً. فكتب إلى كنيسة تسالونيكي هذه الكلمات. استمعْ إلى وصفه لهم في 1 تسالونيكي 9:1 "وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ". هذه هي خلاصة التوبة: تغيير عقولنا ومن ثم الالتزام بتغيير تصرفاتنا. فيما نستوعب مفهوم التوبة، سيكون لسان حال كلٍ منا "ستكون حياتي كمؤمن جديد متغيّرة بالطبع لأنني إنسانٌ متغيّر".
3. أمواتٌ بالخطايا وأحياءٌ في المسيح
ربما نكون قد فهمنا في أثناء تحوّلنا، كما في كلمات بولس إلى الكنيسة في أفسس، أنه قبل تحوّلنا كنا أمواتاً بخطايانا. إلّا أنّ الله أحيانا عندما أصبحنا أولاداً له. إنه تشبيهٌ رائع، أليس كذلك؟ لقد تغيّرنا من الصميم ومن الجوهر تغييراً جذرياً. كنا أمواتاً أما الآن فأحياء! من المؤكد أنّ حياة الحيّ تختلف تمام الاختلاف عن "حياة" الميت. أليس كذلك؟ يميل الأحياء إلى اختبار تجارب مختلفة عن الموتى. ربما أدركنا هذا المفهوم عندما صرنا مسيحيين والآن يقول كلٌ منا "بالطبع ستكون حياتي الجديدة كمؤمن متغيّرة لأنني تغيّرت. لن أكون الشخص نفسه فيما بعد".
فيما نتأمل ما استوعبناه عندما صرنا مسيحيين، لم يفاجئنا على الإطلاق قول الكتاب المقدس أنّ حياتنا ستتغيّر. لن تسير الأمور كما هي فيما بعد.
ب. ماذا حدث؟
عندما تأملتُ في هذا الموضوع، بدأتُ أفكر في جميع الأمور التي حدثت عندما صرتُ تلميذاً ليسوع المسيح. في الواقع، حدثت أمورٌ كثيرة عندما صرتُ مسيحياً في السابعة من العمر تفوق ما يستطيع طفل في السابعة من عمره أن يستوعبه. أود أن أوضّح مفهومنا عن التحوّل. سوف يعتبر بعضنا أنّ هذا أنّ مجرّد مراجعة. ربما يتساءل البعض منا، حديثو الإيمان، ويقول كلٌ منهم "هل حدث هذا؟" "هل فعل الله لي هذا؟" "لم أكن أعرف ذلك!" "هذا مدهشٌ!" أريدكم أن تدركوا جميعاً أنه كلما اختبرنا التغيير الذي أحدثه الله فينا وأدركناه، سواء استوعبنا الأمر تماماً في وقت التحوّل أم لا، كلما أدركنا إدراكاً طبيعياً أنّ حياتنا الجديدة ينبغي أن تختلف عن حياتنا القديمة. فحياتنا كمؤمنين جدد ستكون متغيّرة لأننا متغيّرون.
1. قبل التحوّل
اسمحوا لي بالتحدث أولاً عما حدث قبل التحوّل: هل تعلم أن الله هو الذي اجتذبنا إليه؟ هل تفهم أنه عندما بدأنا نشعر بالذنب أو نحاسب أنفسنا قائلين "آه، لم يكن هذا صواباً"، ربما للمرة الأولى، فإننا بدأنا فجأة في استشعار الحاجة إلى الغفران؟ ومع ذلك، كنا قد ارتكبنا الخطأ نفسه قبل أسبوعٍ ولم نشعر بأي ذنبٍ. هل تعرف أنّ هذا كان عمل الله فينا؟ لقد كنا أمواتاً بالروح في ذلك الوقت، ولذلك لم نشعر بالذنب. هل هناك أمواتٌ يشعرون بالذنب؟ لا، فهذا لا يحدث. كان هذا هو عمل الله فينا، إذ كان يجتذبنا إلى شخصه. عندما بدأ يتملكنا هذا الشعور بالفراغ والنقصان، وعندما بدأ كلٌ منا يقول "هناك شيءٌ ناقص في حياتي"، فلم يكن هذا شعوراً عادياً بل كان صوت الله قائلاً "لقد خلقتك لي وتركتُ فراغاً في قلبك، ولا يستطيع أحدٌ غيري أن يملأه. لا يمكن للألعاب الرياضية أن تملأه، ولا يمكن للثروة أن تملأه، ولا يمكن للشهرة أن تملأه. يمكنك أن تجرّب ما شئت، ولكن لن يملأ قلبك غيري".
عندما بدأنا نفهم هذه الأمور، لم نكن نحن من نعملها ولكن الله هو الذي كان يعمل مجتذباً إيانا إلى شخصه. يقول يسوع "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي". في الواقع، عندما تواجَهْنا مع تأكيدات المسيح عن نفسه، وطلب منا يسوع الإيمان، فهل تعلم أنّ هذا الإيمان الذي قبلناه هو عطية من الله؟ يقول بولس لكنيسة أفسس في رسالة أفسس 8:2 "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ". ولذلك حتى لو لم نفهم ذلك تماماً، فإنّ الله هو الذي كان يعمل، ويجتذب، ويوبّخ، ويشجّع، ويدعو الناس إلى حياتنا حين كان يجتذبنا إلى شخصه.
2. قبول الإيمان
وأخيراً، عندما تواجهنا مع اتخاذ القرار، وقبلنا الإيمان في هيئة تحوّلنا الفعليّ، فإننا خلصنا في تلك اللحظة عينها. خلصنا من مملكة الظلمة وانتقلنا إلى ملكوت نوره العجيب. غيّرنا ولاءاتنا فنلْنا غفران الخطايا. لا توجد خطية يمكن أن نرتكبها ولا يستطيع الله أن يغفرها، وهذه هي قوّة الصليب وكفايته.
لقد تبرّرنا. والتبرير مصطلحٌ قانونيّ معناه أننا تبرّأنا من جميع آثامنا ومن جميع خطايانا. فالله، القاضي، غفر لنا. تحررنا من كل دينونةٍ، لأنّ يسوع حمل على الصليب غضب الله بجملته على خطايانا حتى نقف أمامه بلا لومٍ. لا أحد يديننا أمام القاضي. لقد افتدينا. والفداء معناه التخلص من العبودية إذ دفع موت يسوع على الصليب الثمن لتأمين حريتنا لئلا نكون فيما بعد تحت نير الخطية. لقد افتُدينا وتبرّرنا. ربما لا نتصرّف بموجب ذلك في جميع الأوقات، ولكننا تقدّسنا. انتقلت إلينا قداسة يسوع وبرّه، وحدث هذا كله عندما قال بيلي ماونس "نعم"، وحدث هذا لك عندما آمنتَ بتأكيدات المسيح عن نفسه في حياتك.
3. خليقة جديدة
تمهل، فهناك المزيد! جعلنا الله نولد من جديدٍ. جعلنا خليقةً جديدة، أي مخلوقاتٍ جديدة. تبنّانا له أولاداً. نقلنا إلى عائلةٍ جديدة فيها آبٌ جديد، وإخوةٌ وأخواتٌ جدد، وميراثٌ جديد، ومنزلٌ جديد. هذا العالم ليس وطننا. فجنسيتنا سماوية. إنها ليست هنا. ثم وهبنا الله روحه القدوس ليعزّينا ويرشدنا ويضمن لنا أنّ ما وعد به يسوع سوف يتحقق بالفعل. أتعلم؟ يمكنني الاستمرار في كتابة صفحاتٍ أكثر لأنّ الكتاب المقدس يحاول باستمرارٍ استكمال هذه الصورة فيما يجاهد لاستخدام اللغة لوصف ما لا يوصف.
الحقيقة هي أنّ حياتنا سوف تتغيّر. لن تكون حياتنا هي نفسها لأننا لم نعد أنفسنا، وهذا هو السبب. يرد واحدٌ من أقوى المقاطع التي تصف هذا الأمر في رسالة رومية 6. كان بولس يناقش قضية الخطية المستمرة، وكسر نواميس الله في حياة المؤمنين أبناء الله، أي قضية ماذا نفعل مع الأبناء العصاة؟ وهو يلخّص جوابه في رومية 2:6 قائلاً، "نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا". هذا بالضبط ما كنت أقوله دائماً. عندما نتأمل ما حدث في التحوّل وكيف تفسر الكلمات أننا "متنا عن الخطية،" فكيف يمكننا أن نظلّ في الخطية؟ "لقد تغيّرت، ولذلك ينبغي أن تتغيّر حياتي أيضاً". يستطرد بولس في مناقشة قضية المعمودية لتوضيح ما يعنيه.
4. المعمودية
ربما لا نكون على درايةٍ بما تعنيه المعمودية، ولكن نسمع بكلمة "معمدانية" كاسم لبعض الكنائس في أماكن كثيرة. يناقش بولس المعمودية وأهميتها. اسمحوا لي بشرح الموضوع: إذا كنت ستتعمّد هنا، فسوف نفتح الأبواب خلفي، وهناك جرنٌ به ماء دافئ. سوف تغطس في الماء معي أو مع قسٍ آخر أو مع صديقك أو معلّمك الذي قادك إلى المسيح. سوف تقف في الماء، وسيطلب منك أن تروي قصتك أي شهادتك. وبعد إقرارك للايمان قائلاً "نعم، أؤمن بأنّ الرب يسوع المسيح هو ربّي ومخلصي"، سيأخذونك ويضعونك تحت الماء ثم يرفعونك. هذه هي المعمودية.
ليتك تدرك أنّ المعمودية ليست أحد أفعال الخلاص، فالمعمودية لا تخلّص أحداً. المعمودية هي فعل طاعة، فيسوع أوصانا أن نعتمد. ونحن في المعمودية نعلن على الملأ أنّ الله غيّرنا. عندما نعتمد يكون لسان حال كلٍ منا "أنا أؤمن بيسوع". وفيما نغطس تحت الماء، فليس هذا معناه أننا اغتسلنا من خطايانا فحسب، بل بالأحرى أننا دُفِنّا، أي أننا متنا عن نفوسنا العتيقة. وفيما نخرج من الماء، فليس هذا معناه أننا اغتسلنا مجاناً من خطايانا فحسب (فهذا هو ما عمله المسيح لأجلنا على الصليب)، بل بالأحرى أننا نخرج إلى حياةٍ جديدة مختلفة، أي حياةٍ متغيّرة.
كنتُ بحاجةٍ لكتابة هذا كله كخلفيةٍ، وإلا فلن يكون لكلمات بولس في رسالة رومية أي معنى. "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ. فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رومية 3:6-4). يدعونا بولس أن نسترجع ذكريات تحوّلنا والإعلان عن إيماننا في أثناء معموديتنا. ماذا حدث؟ عندما غطسنا تحت الماء، مُتْنا مع المسيح عن نفوسنا العتيقة. اتّحدنا اتّحاداً باطنياً مع المسيح، ومتنا عن تلك الحياة العتيقة التي عشناها. وفيما خرجنا من مياه المعمودية، فقد أُقِمْنا. كما أُقيم المسيح من القبر، هكذا أُقِمْنا نحن. وكما أقيم المسيح إلى حياةٍ جديدة، هكذا أُخرِجْنا نحن من اختبار المعمودية في تحوّلنا إلى حياةٍ جديدة. هذه هي الفكرة التي يركّز عليها بولس في رسالة رومية 6.
ج. كيف تبدو هذه الحياة الجديدة؟
كيف يمكننا نحن الذين متنا عن الخطية ودُفِنّا مع المسيح أن نعيش في الخطية الآن بما أننا قمنا إلى حياةٍ جديدة؟ إذا استوعبنا حقاً ما يحدث في التحوّل، وسمعنا الدعوة الكتابية بأنّ حياتنا ينبغي أن تكون متغيّرة، فسوف يكون لسان حال كلٍ منا "نعم، بالطبع ستكون حياتي متغيّرة لأنني تغيّرت. لقد مُتّ عن الخطية، فكيف يمكنني أن أعيش فيها؟" إذاً كيف تبدو هذه الحياة الجديدة؟ كيف تبدو هذه الحياة المتغيّرة؟ هناك العديد من الأوصاف المختلفة عن الحياة الجديدة في الكتاب المقدس. سوف أركّز على هذا الموضوع طوال هذه السلسلة من المحادثات. هناك نوعان من التعاليم في الكتاب المقدس أريد أن أقدّمهما لكم جميعاً للمساعدة في تحديد شكل هذه الحياة الجديدة.
1. التلمذة
سوف تكون الحياة الجديدة للإنسان الذي مرّ باختبار التحوّل حياةَ تلمذة. عندما نصير مسيحيّين، نصبح أتباعاً ليسوع ويصير يسوع معلّمنا. نفهم أنّ المسيحية ليست تشنجاً روحياً كأن يقول المرء، على سبيل المثال، "آه، نعم، أنا آسف على خطيتي". المسيحية ليست حدثاً يقع مرةً واحدة. ونحن نعلم أنّ التحوّل هو خطوةٌ حاسمة وضرورية، وأنها الخطوة الأولى في حياة التلمذة ليسوع المسيح.
يرد واحدٌ من أقوى المقاطع التي تثير هذه القضية في مرقس 34:8، وكأنّ يسوع يقول لتلاميذه "إذا أردت أن تتبعني، إذا أردت أن تكون لي تلميذاً، إذا أردت أن تكون مسيحياً، أنكرْ نفسك واحملْ صليبك واتبعني". يقول يسوع لتلاميذه إنه إذا أرادوا أن يكونوا مسيحيين، إذا أرادوا أن يكونوا تلاميذ، وإذا أرادوا أن يكونوا أتباعاً ليسوع المسيح، فعليهم أن ينكروا أنفسهم. علينا أن نتخلّى عن إرادتنا ونخضع لإرادة الله، ومن ثم سنعيش مثل الذين صُلبوا عن أهوائهم ورغباتهم ويعيشون لإرادة الله.
يحدث شيءٌ ما لك فيما بعد: فأنت تتأذى ويكون ردك الخاطئ هو "يحقّ لي أن أغضب لأنّ ذلك الشخص آذاني". ثم تسمع صلاة يسوع في بستان جثسيماني (لوقا 42:22) "يَا أَبَتَاهُ... لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ". هكذا تُخضِع إرادتك، وتتخلّى عنها لله، وتسامح من آذاك. أو ربما يقع بك ظلمٌ بيّن، فيكون ردك الطبيعيّ هو "سوف أصفّي حساباتي، فهذا ظلمٌ. سوف ألقّن ذلك الشخص درساً". ثم تسمع من جديدٍ كلمات يسوع المصلوب البارّ، الذي ظُلِم بالأكثر، قائلاً "لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ".
نحن مدعوّون للتخلي عن إرادتنا والردّ بلطفٍ وتواضع. "وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ" (أفسس 32:4). هذه هي حياة التلمذة، وهي حياةٌ يهتف فيها المرء قائلاً "لم يعد هذا يخصّني، ولكني أعيش من أجل مسرّتك ومجدك، يا الله، وليس لإرادتي". نحن مدعوّون كل يومٍ، في كل دقيقةٍ وأحياناً في كل ثانيةٍ، للتخلّي عن إرادتنا ولنقول "أنا لستُ بيل ماونس، أنا تلميذٌ ليسوع المسيح". هذه واحدةٌ من أقوى الصور التي تصف شكل هذه الحياة الجديدة، تلك الحياة التي نعيشها في اتّباع يسوع.
2. "ثمر الروح"
كما أنّ تعبير "ثمر الروح" هو واحدٌ من الصور الغنية للغاية. أردتُ بالفعل أن أشرحه ولكني أدرك أنّ بعضكم ربما لا يفهمون أياً من الكلمات الواردة في هذا التعبير. اسمحوا لي باستطرادٍ قصير قبل العودة إلى التعبير. عندما أتحدث عن ثمر الروح، أو حتى عندما أتحدث عن الروح، فإني أقصد روح الله أو أقنوم الروح القدس. كيف أفسّر ذلك؟ هناك كلماتٌ قليلة.
أولاً وقبل كل شيء، يؤمن المسيحيون بالتوحيد (monotheism). فالمقطع "Mono" معناه "الوحيد" أو "الواحد" وكلمة "Theism" معناها "نحن نؤمن بالله". نحن موحّدون إذ نؤمن بوجود إلهٍ واحد. يقول الكتاب المقدّس، "إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ". ولهذا نحن موحّدون: نحن لا نؤمن بآلهةٍ متعددة، ولا نؤمن بمعبوداتٍ وثنية محلية، لكننا نؤمن بإلهٍ واحد واسمه الله.
نحن نؤمن أيضاً بالثالوث. لا نؤمن بالثالوث لأنّ مجرّد أننا نراه منطقياً، ولكن لأنه أحد تعاليم الكتاب المقدس. كلمة "الثالوث" تعني "الثلاثي". يعلّمنا الكتاب المقدس أنّ الله واحد، ولكنه أيضاً مثلّث الأقانيم: (1) الله الآب، (2) والله الابن، (3) والله الروح القدس. كل أقنومٍ هو الله الكامل، ولكل أقنومٍ عمله الخاص ومهمته، ومع ذلك فالله واحد. نؤمن بذلك لأنّ هذا هو السبيل الوحيد لفهم الكتاب المقدس. إنه سرٌ! وإني لا أعرف ما إذا كنا سنفهم السرّ تماماً عندما نرى الله وجها لوجه، ولكننا نؤمن بأنّ الله واحد ولكنه مثلث الأقانيم.
عندما نتحدّث عن ثمر الروح، فإننا نقصد الأقنوم الثالث في الثالوث أي الروح القدس. الروح القدس هو من اجتذبنا إلى الله. الروح القدس هو من مكنّنا من الاستجابة لرسالة الإنجيل. الروح القدس هو من جدّدنا ووهبنا حياةً جديدة. الروح القدس هو من يرشدنا ويقوينا في كل يومٍ من مسيرتنا المسيحية. الروح القدس هو من يعطينا القدرة على حمل الثمار. وبالتالي، فنحن نتمتع بثمر الروح، ونعرف من هو الروح. إنه الأقنوم الثالث في الثالوث. ولكن ما معنى حمل الثمار؟ كما أنّ شجرة الفاكهة الجيّدة تصنع ثمراً، وشجرة البرتقال الجيدة تنتج البرتقال، وشجرة اليوسفي الجيدة تنتج اليوسفي، هكذا فإنّ حياة المسيحي الصالح سوف تتغيّر، وتلك التغييرات هي ما نسميه بالثمر.
يكتب بولس إلى كنيسة الغلاطيين، في رسالة غلاطية 22:5-23 عن التغييرات التي سيحدثها الروح القدس في حياتك، أي هكذا ستبدو حياتك، "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ". سوف نجد فجأةً مكاناً جديداً في قلوبنا لذلك الشخص الذي كنا نعاني من صعوبة التعامل معه. وحيث لم تكن هناك محبة من قبل، أو ربما محبة ناقصة، فإننا نجد شيئاً في أعماقنا يريد منا أن نضع أولئك الأشخاص أولاً. هذه هي المحبة.
سوف ندرك أنه بينما كنا في الماضي ننهار تماماً حين تسوء الأمور ويدور الصراع أو المعاناة أو الألم صرنا فجأةً عالمين أنّ الفرح كامنٌ في خضم الألم! من أين جاء ذلك؟ سوف ندرك أنّ هناك فرحاً لا يعتمد على الظروف ينمو في داخلنا، وأنّ هناك شيئاً قابعاً في الأعماق مصدره حبّنا لعلاقتنا مع الله من خلال يسوع المسيح وفرحنا بهذه العلاقة. جميع الإدراكات السابقة هي ثمر الروح، وفي هذا الطريق تتجه حياتنا كمؤمنين جدد. يبدأ عمل الله عندما نبدأ في اختبار مثل هذه التغييرات.
د. كيف أتغيّر
ربما نكون قد بدأنا نلاحظ بالفعل عملية التغيير. يسير التغيير في بعض الأحيان بأبطأ مما نود. وفي بعض الأحيان نتعثّر، ولكن هذه هي عملية تغيير ونموّ فيما نعيش كتلاميذ ليسوع المسيح، صانعين أثماراً في حياةٍ متغيّرة. أعتقد أنّ السؤال المنطقي هو: هل هذا التغيير تلقائيّ؟ يمكن طرح هذا السؤال بطريقةٍ أخرى وهي: ما هو دوري في هذا التغيير، أو هل أؤدي دوراً في الأساس؟ اسمحوا لي بمشاركة بعض الأفكار باختصار.
1. التغيير ليس تلقائياً
أولاً وقبل كل شيء، فإن الجواب هو لا. التغيير ليس تلقائياً. يمكننا أن نقاومه ونهزمه، ولكن هذا يعرّضنا للخطر. أما التغيير الذي يريد الله أن يحدثه في حياتنا فليس تلقائياً. عندما صرنا مسيحيين، انكسرت سطوة الخطية وسلطتها علينا فلم نعد مجبرين على أن نخطئ. لكن الخطية لا تزال موجودة، والخطية ليست سلبية.
من الدروس التي تعلمتها هذا العام هو أنني تصورت لسببٍ ما أنّ الخطية سلبية كامنة في أعماق ذهني. الخطية ليست سلبية، أليس كذلك؟ الخطية نشطة وعدوانية، ومن شأنها أن تفعل كل ما في وسعها لتعيدنا إلى الشيطان. عندما صرنا مسيحيين وانتقلنا من مملكة الظلمة إلى ملكوت النور، فقد صار لنا عدوٌ، أليس كذلك؟ وهو عدوٌ لدود اسمه الشيطان. إلا أنّ يسوع أعظم من الشيطان إذ غلب الشيطان. لم يقبل الشيطان أن يخسرنا من مملكته فقرّر القتال.
2. الله يمكّننا
إذاً التغيير ليس تلقائياً ولا يحدث من تلقاء نفسه. ومع ذلك، فلا تثبط عزيمتكم، فنحن لسنا قادرين على تغيير أنفسنا بأنفسنا. لا يراقب الله المشهد من بعيدٍ ويقول "حسناً، لديكم المحبة والسلام". أحياناً يقول كلٌ منا "آه، عليّ القيام بكل هذه الأمور". لكن الواقع ليس هكذا، فبدلاً من ذلك هناك الموقف الوسطيّ الرائع الذي يتبناه الكتاب المقدس "سوف يعمل الله فيك وسوف يعطيك رغبات جديدة، ويعطيك معها القدرة على تحقيقها". ثم يدعونا للتعاون.
لا أتحدث عن الخلاص الآن. فأنا لم أتعاون مع الله في خلاصي، لأنني كنت ميتاً في ذلك الوقت. لم أعمل أي شيءٍ لنوال رضا الله. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بمجالات النمو المسيحيّ، فإن الله يعطينا قدرات، وبقوة روحه يمكّننا من المضي قدماً، واتخاذ الخطوة التالية. ينبغي علينا أن نتّخذ تلك الخطوة التالية.
ترد آيتان قويتان في هذا المضمون، الأولى هي فيلبي 12:2-13. يتحدّث بولس مرةً أخرى إلى الكنيسة التي في فيلبي قائلاً "... تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ" أي أننا لا نكسب خلاصنا بل نعمل الشيء التالي وهو إتمام نتائج التحوّل. ثم يقول "... لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ..." هذا مذهلٌ! الله الذي يخلق المجرّات بمسافاتٍ تستعصي على الفهم البشريّ هو العامل فينا. الله يعمل فينا! ثم يقول بولس إنّ الله يعطينا الإرادة ومعها القدرة على تحقيقها. لا يمكننا أن نعمل هذا لوحدنا، والله يعلم ذلك. يقول كاتب المزمور "يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ".
بعد أن يعطينا الله الرغبة والقدرة، يطلب منا كما يقول بولس في رسالة رومية 1:12-2 "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ (بفضل كل ما عمله الله برحمته) أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ". "وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ". ماذا يعني ذلك؟ ترد هذه الآية في ترجمة فيليبس Phillips بمعنى "لا تدعوا العالم يكبسكم في قالبه، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ".
هذا هو توازن المسيرة المسيحية التي هي جديدة بدرجةٍ هائلة لا تُصدّق. الله يعطينا الرغبة، وبقوة روحه يهبنا القدرة على طلب المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والإيمان والوداعة والتعفف. ثم يقول إننا بحاجةٍ لاتخاذ الخطوة. تحضرني آيات مثل الأمثال 5:3-6 " تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ". هذا هو ما نعمله. يستطرد سفر الأمثال قائلاً "وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ"، وهذا هو دور الله. توكّلْ عليه. استند عليه، فهو صخرتنا، وهو ملجأنا، وسوف يقوّم سبلنا. سوف يجعل طرقنا مستقيمة. نحن مدعوّون لنكون ملح الأرض. نحن مدعوّون لنكون مختلفين عن الجميع. ينبغي أن تتغيّر حياتنا لأننا متغيّرون. إنها مسيرةٌ رائعة مغمورة بالفرح فيما نتغيّر من إحدى درجات المجد إلى الدرجة الأعلى ونصير أكثر تشبهاً بمخلصنا يسوع المسيح.